أساس هوية الشخص : طبعه و ذاكرته
من الأكيد أننا ننظر لأنفسنا على أننا شخص واحد،
و أننا نفس الشخص في كل فترات عمرنا؛ لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل
تفترض بالضرورة أن فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيا و ثابتا؟
لنسجل أن الوقائع تكذب كليا هذه الفرضية،
فالإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له إلا أنا متخيل يتبخر عندما يستيقظ؛ كما أن
ضربة واحدة على الرأس تكفي لحفر هوة عميقة بين أنا اليوم و أنا البارحة لأنها تشل
ذكرياتنا. و نحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أول و أنا آخر
يتناوبان فيما بينهما و أحدهما يعرف الآخر...
أن نقول بأننا نرجع حالاتنا الداخلية إلى
أنانا معناه أن نقول إننا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصة إلى أنا ما أو إلى ذات
حاملة عامة... ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا و
هما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، و ترابط ذكرياتنا. ذلك أن لدينا نفس الطريقة
الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثر علينا، أي أن نفس العلامة تسم رد فعلنا الأخلاقي
و تطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصي؛ ... إضافة إلى ذلك فإن ذكرياتنا
تشكل، على الأقل بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى
أن حالتنا النفسية الحالية تتولد من حالتنا النفسية السابقة... و هكذا يمتد وعينا
التذكري في الماضي و يتملكه و يربطه بالحاضر...
ليست هويتنا الشخصية، إذن، كما كان
متداولا من قبل، معطى أوليا أصليا في شعورنا، بل إنها ليست إلا صدى، مباشرا أو غير
مباشر، متواصلا أو متقطعا، لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة. و هكذا فنحن
لسنا، أمام أعيننا، سوى ظواهر يتذكر بعضها بعضا.
( ترجمة فريق التأليف )
Jules Lachelier:Psychologie et métaphysique
P.U.F 1948
البنية النفسية الثلاثية للشخصية
"
إن الأنا مضطر إلى أن يخدم ثلاثة من السادة الأشداء ، وهو يبدل أقصى جهده للتوفيق
بين مطالبهم ، وهي في الغالب مطالب متعارضة و التوفيق بينها مهمة عسيرة إن لم تكن
مستحيلة . فليس من الغريب إذن أن يفشل الأنا في أغلب الحالات في مهمة التوفيق هاته
و هؤلاء المستبدون الثلاثة هم : العالم الخارجي و الأنا الأعلى و الهو .
ونحن عندما نتابع المجهودات التي يقوم بها الأنا
بقصد الاستجابة لهذين النوعين من المطالب في وقت واحد فإننا نأسف إذا ما كنا قد
شخصنا هذا الأنا ، وقدمناه كحالة خاصة . فهو يحس بأنه معرض لثلاثة ضغوط ومهدد من
طرف ثلاثة أنواع من الأخطار يكون رد فعله عليها ، عندما تشتد معاناته منها ، هو توليد نوع من
القلق . فهو ، من حيث إنه هو نفسه نشأ نتيجة التجارب الإدراكية ، يتجه إلى أن
يتمثل متطلبات العالم الخارجي لكنه يود أن يكون بنفس الوقت خادما للهو ، ومتصالحا
معه و مع حاجاته المستمرة للإشباع ... إن الأنا في مجهوده من أجل التوسط بين الهو
و الواقع ، مضطر دوما إلى أن يموه على أوامر اللاشعور بتبريرات متعددة ،
و إلى التخفيف من صراع الهو مع الواقع ، عن طريق نوع من التمويه الدبلوماســـــــــــي و الرياء و التظاهر بأنه
يأخذ الواقع بعين الاعتبار و يراعيه ، حتى لو ظل الهو جموحا و متصلبا في مطالبه
الملحة على الإشباع .
ومن زاوية أخرى فالأنا محط رصد من طرف الأنا الأعلى الذي يفرض عليه
باستمرار المعايير التي يتعين عليه إتباعها في سلوكه دون أن تهمه العوائق و
الصعوبات الآتية من الهو ومن العالم الخارجي . و إذا ما عصى الأنا أوامر الأنا
الأعلى و تعليماته فإن هذا الأخير يعاقبه
بأن يسلط عليه مشاعر التوتر و القلق التي
يشكلها لديه الإحساس بالدونية أو بالذنب.
وهكذا يصارع الأنا – و هو محاصر بين ضغط الأنا الأعلى، ومطالب الهو، وقوة الواقع - من أجل أن ينجز مهمته في إحداث نوع من التوافق و
الانسجام بين هذه القوى والتأثيرات المتفاعلة داخله و المؤثرة عليه من الخارج ".
S . Freud. Nouvelles conférences. 1932,trad.
fr. Zeitlin, Paris, 1936,pp.107-108
( ترجمة فريق تأليف مباهج الفلسفة)