recent
أخبار

نص كلود برنار: خطوات المنهج التجريبي

إنجاز: ذ. هشام عزيزي
 
ذات يوم، أحضر لي أحدهم أرانب اقتناها من السوق. و حين وضعتها على منضدة المختبر تبولت، فلاحظت بالصدفة أن بولها صاف وحمضي. واسترعاني ما لاحظته، لأن بول الأرانب يكون، عادة، مكدر اللون وغير حمضي ، باعتبار أنها حيوانات عاشبة، في حين أن بول الحيوانات اللاحمة يكون، كما هو معلوم، صافيا وحامضا. وقد قادتني ملاحظتي للحموضة في بول الأرانب إلى تصور أن هذه الحيوانات قد أخضعت لنظام غذائي يناسب الحيوانات اللاحمة. فافترضت أن من الأرجح أنها لم تذق الطعام منذ فترة طويلة، وأنها تحولت، بفعل الإمساك الطويل عن الأكل، إلى حيوانات لاحمة تقتات من دمها لكي تعيش. و لم أجد أمرا أيسر من التحقق، بواسطة التجربة من صحة هذه الفكرة المفترضة أو هذه الفرضية. فقدمت ‏طعاما من العشب للأرانب، وبعد بضع ساعات لاحظت أن بولها أخذ يتكدر وأصبح غير حمضي. ثم أخضعت نفس الأرانب للإمساك عن الطعام، وبعد مرور أربع وعشرين ساعة ... استحال بول الأرانب، مرة أخرى، إلى الصفاء والحموضة الشديدة، ثم تحول، من جديد، إلى بول مضطرب اللون وغير حمضي، حين قدمت لها عشبا. وكررت هذه التجربة البسيطة ‏مرات عديدة، فكنت أحصل، دوما، على نفس النتيجة. وكررت هذه التجربة على الخيول، وهي كذلك حيوانات عاشبة، بولها مكدرا اللون وغير حمضي، فاكتشفت، أن إمساكها عن الطعام، ينتج حموضة مفاجئة في بولها، وزيادة مهمة نسبيا في مادة "الأوريا" Urée مادة بلورية توجد في بول الحيوانات اللاحمة . وهكذا خلصت على إثر تجاربي، إلى هذه القضية العامة التي لم تكن معروفة حينها، ومؤداها أن كل الحيوانات تتغذى باللحم، عند إمساكها عن الطعام، بحيث يغدو بول الحيوانات العاشبة مشابها لبول الحيوانات اللاحمة.

كلود برنار ، مدخل لدراسة الطب التجريبي

موقف كلود برنار : التجربة أساس ومصدر المعرفة العلمية


يؤكد كلود برنار أن التجربة هي أساس ومصدر المعرفة العلمية، وذلك من خلال اتباع خطوات المنهج التجريبي الذي يبدأ في نظر كلود برنار بمعاينة الظاهرة المدروسة معاينة شاملة، معتبرا أن ملاحظة الظاهرة تتم بدون فكرة مسبقة، وبعدها تولد في ذهن العالم فكرة تبعا للملاحظة) الفرضية(، وللتحقق من صحة أو عدم صحة الفرضية يقوم العالم بالتجربة، وتنتج عن التجربة ظواهر جديدة عليه أن يلاحظها )القانون العلمي.(
فقد لاحظ كلود برنار أن بول الأرانب يشبه بول الحيوانات اللاحمة، فافترض أنها لم تذق الطعام منذ مدة طويلة، وأنها بفعل الامساك الطويل عن الأكل أصبح نظامها الغذائي -رغم كونها حيوانا عاشبا- مشابها للنظام الغذائي للحيوانات اللاحمة، وللتحقق من هذه الفرضية، قام كلود برنار بالتجربة حيت قدم لها عشبا، فلاحظ أن بولها عاد إلى طبيعته، بحيث أصبح مشابها لبول الحيوانات العاشبة، ثم أخضعت نفس الأرانب للإمساك عن الطعام، وبعد مرور أربع وعشرين ساعة أصبح نظامها الغذائي مشابها لنظام الحيوانات اللاحمة، وكرر هذه التجربة على الخيول قصد تعميمها فحصل على نفس النتائج، فاستنتج كقانون علمي يتسم بالكونية والشمولية أن الحيوانات العاشبة عند إمساكها عن الطعام يصبح بولها مشابها لبول الحيوانات اللاحمة.
 
google-playkhamsatmostaqltradent