انجاز ذ. هشام عزيزة
مفهوم الشخص
تقديم:
على مستوى الدلالة اللغوية يشير لفظ
الشخص إلى الظهور والبروز والارتفاع، نقول عندما يموت المرء تشخص عيناه أي تظهر و
تنجلي وتتبدى وكذا نقول أعين شاخصة أي بارزة ،
أما على مستوى الدلالة اللاتينية فلفظ Personne في اللسان
الفرنسي يرجع في أصله اللاتيني إلى كلمة Personaالتي تدل على
القناع ومن هذا المنطلق يرتبط مفهوم الشخص بالاختفاء والتستر. أما من حيث
الدلالة الفلسفية فيشير الشخص حسب كانط إلى تلك الذات الأخلاقية التي تنسب إليها مسؤولية
أفعالنا.
المحور
الأول: الشخص والهوية
نص جون لوك : الهوية والشعور
لكي نهتدي إلى ما يكوّن الهوية
الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد،
كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها
مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته
الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا
يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر،
مادام لا يمكن لأي كائن [بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه
يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق
أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه
المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، و بها يكون كل
واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا
كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة. إذ لما كان
الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز
به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما
يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى
الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي
نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه
في الحاضر.
جون لوك، مقالة في الفهم البشري،
الكتاب II فصل 27،
فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994 ص : 264-265.
تعريف بصاحب النص :
جون لوك[1] فيلسوف انجليزي، عرف ب " أب الليبرالية الكلاسيكية " وكان لفكره
تأثير عميق في الفلسفة السياسية، كما اشتهر
بفلسفته التجريبية القائلة بان العقل صفحة بيضاء (blank Slate) ، وان
التجربة هي أصل المعرفة العلمية ، كما تأثر بمنهج فرنسيس بيكون.
من أهم مؤلفاته: رسالة في التسامح (1689)، مقالة في الفهم البشري (1690)، مقالتان عن
الحكومة
(1690) ، أفكار في
التربية (1693).
إشكال النص :
إذا كانت الهوية هي الصفات الثابتة في
الذات الإنسانية، فما الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص ؟
الأفكار الأساسية:
يعرف لوك الشخص ــــ قبل تحديد مكونات
هوية الشخص ــــ باعتباره '' كائن مفكر قادر على التعقل والتأمل''.
الشعور هو الوسيلة التي تمكن الشخص من
النظر إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها.
يؤكد لوك أن الشعور لا يقبل الانفصال
عن الفكر، إذ لا يمكن للشخص أن يدرك دون أن يشعر انه يدرك.
اقتران الشعور بالفكر على نحو دائم
وارتباط الشعور بالذاكرة هو وحده ما يكون الهوية الشخصية.
أطروحة النص :
تتكون الهوية الشخصية من الشعور
(أو
الوعي) الذي يميز الشخص المفكر والعاقل، و من الذاكرة التي هي امتداد للشعور
في الزمان والمكان.
الأساليب الحجاجية :
اعتمد لوك بنية حجاجية لدعم الموقف
القائل بان هوية الشخص تتكون من الذاكرة والشعور ، نذكر منها :
أسلوب التأكيد '' لابد لنا أن
نتبين...''.
أسلوب التعريف و يتجلى ذلك في ''
الشخص فيما اعتقد كائن مفكر…''.
أسلوب المثال ويتمثل ذلك في ‘’عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق
....’’
استنتاج:
يعتبر جون
لوك أن هوية الشخص تتكون أولا من الشعور الذي يمكن الشخص من الرجوع إلى ذاته
باعتبار أنها مطابقة لنفسها وهذا أن الشعور لا ينفصل عن الفكر، وهذا الارتباط
بينهما بشكل مستمر هو ما يجعل الفرد ينظر إلى ذاته باعتباره هو هو رغم اختلاف
الزمان والمكان. وثانيا من الذاكرة التي هي امتداد للشعور، إذ كلما امتد الشعور
إلى الأفكار الماضية إلا واتسعت معه هوية الشخص.
نص الهوية والإرادة لأرثور
شوبنهاور
انجاز ذ. هشام عزيزة
على ماذا تتوقف هوية الشخص ؟ ليس على
مادة جسمه، فإن هذه تتجدد في بضعة أعوام، وليس على صورة هذا الجسم، لأنه يتغير في
مجموعة وفي أجزائه المختلفة، اللهم إلا في تعبير النظرة، ذلك أنه بفضل النظر
نستطيع أن نتعرف شخصا ولو مرت سنوات عديدة.
وباختصار فإنه رغم التحولات التي
يحملها الزمن إلى الإنسان، يبقى فيه شيء لا يتغير، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل
جدا أن نتعرف عليه، وأن نجده على حاله، وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا. فقد نشيخ
ونهرج، ولكننا نشعر في أعماقنا أننا ما زلنا كما كنا في شبابنا، بل حتى في
طفولتنا. هذا العنصر الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم
أبدا، هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان. وقد يرى الناس عامة أن هوية الشخص
تتوقف على هوية الشعور، فإذا كنا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار حياتنا، فإنها
لا تكفي لتفسير الأخرى (أي هوية الشخص)، وليس من شك أننا نعرف عن حياتنا الماضية
أكثر مما نعرف عن رواية قرأناها ذات مرة، ورغم ذلك فإن ما نعرفه عن هذه الحياة
قليل. فالحوادث الرئيسية والمواقف الهامة محفورة في الذاكرة، أما الباقي، فكل
حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان، وكلما هرمنا توالت
الحوادث في حياتنا دون أن تخلف وراءها أثرا. ويستطيع تقدم السن أو المرض، أو إصابة
في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة، ومع ذلك فإن هوية الشخص لا يفقدها هذا
الاختفاء المستمر للتذكر. إنها تتوقف على الإرادة التي تظل في هوية مع نفسها، وعلى
الطبع الثابت الذي تمثله (...).
ولا شك أننا قد تعودنا تبعا لعلاقتنا
بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا الحقيقية، ذاتنا العارفة التي تغفو في
المساء ثم تستغرق في النوم، للتألق في الغد تألقا أقوى. ولكن هذه الذات ليست سوى
وظيفة بسيطة للمخ، وليست هي ذاتنا الحقيقية. أما هذه، التي هي نواة وجودنا، فهي
التي تختفي وراء الأخرى، وهي التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين: أن ترد أو ألا
تريد.
أرثور شوبنهاور، العالم بوصفه إرادة
وتمثلا، ترجمة بوردو،
1966 ص : 943
تعريف بصاحب النص:
أرثور
شوبنهاور[1] فيلسوف
ألماني عرف بفلسفة
التشاؤم ، ويرجع ذلك
إلى تأثره بالفلسفة الشرقية وخصوصا تأثره بالديانة الهندية التي تؤمن
بشقاء الإنسان في الحياة، وكذا إلى انتحار والده وهو لا يزال في السابع عشر من
عمره، كما أكد أن أخلاق
الأفراد لا تتحدد من طرف المجتمع أو من طرف العقل بل إن الرغبة هي ما يحدد الفعل الإنساني
أو بتعبير أدق هي إرادة الحياة ، ومن هذا
المنطلق اعتبر أن العقل خاضع للإرادة وتابع لها.
من أهم مؤلفاته:
العالم بوصفه
إرادة وتمثلا (1813)،
الأصول الأربعة لمبدأ السبب الكافي (1813).
المفاهيم الأساسية:
الإرادة: قسم أرسطو الإرادة إلى إرادة طيبة
(خيرة) وهي العزم الراسخ على فعل الخير، وإرادة سيئة ( شريرة) وهي الإرادة الموجهة
إلى فعل الشر.
إشكال
النص:
إذا كانت
الهوية هي الصفات الثابتة في الذات الإنسانية، فما الأساس الذي تقوم عليه هوية
الشخص ؟
الأفكار الأساسية:
لا تتمثل
هوية الشخص حسب شوبنهاور في مادة جسم الإنسان لأنها قابلة للتجديد ولا في صورة هذا
الجسم لأنها قابلة للتغيير إما كليا أو جزئيا بفعل الزمن.
يضع شوبنهاور
هوية الشخص في الإرادة التي تمثل نواة وجود الإنسان التي لا تحد بالزمان.
أطروحة النص :
يرى شوبنهاور
أن أساس هوية الشخص يتمثل في الإرادة، إنها إرادة تظل ثابتة حتى عندما ننسى أو نتغير.
الأساليب الحجاجية :
اعتمد شوبنهاور بنية حجاجية
لدعم الموقف القائل بان هوية الشخص في الإرادة ، نذكر منها :
أسلوب
التأكيد ويتجلى ذلك في '' إنها تتوقف على الإرادة...''.
أسلوب ا
التفسير ويتجلى ذلك في '' ليس على... وليس على...
لأنه...''.
استنتاج
:
يرى أرثور
شوبنهاور أن الذاكرة معرضة للتلف بسبب الشيخوخة أو مرض النسيان ذلك أن '' كل حادثة
نذكرها تقابلها ألاف الحوادث التي يبتلعها النسيان'' وبالتالي لا
يمكن أن تكون الذاكرة هي أساس هوية الشخص لأنه '' يستطيع تقدم السن أو المرض، أو
إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة '' . كما أن
الشعور غير ثابت ويختلف من مرحلة زمنية لأخرى، وكذا لا تتوقف هوية الشخص على مادة
جسم الإنسان لأنها قابلة للتجديد ولا في صورته لأنها تتغير بفعل الزمن، ورغم
التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان ولا يمكن
للهوية أن تتلاشى بفعل النسيان فان هناك عنصرا ثابتا لا يتغير وهو الذي يمثل نواة
وجود الإنسان الذي لا يحد بالزمان والذي يتمثل في الإرادة لتغدو الذات الحقيقية هي
تلك الذات " التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين : أن تريد أو ألا
تريد".
إذا كان
القديس توما الاكويني يعتبر أن الإرادة خاضعة للعقل وتابعة له، فان شوبنهاور وضعها
في المقام الأول وهنا نميز بين الإرادة الطبيعية والإرادة الحقيقية ، الأولى هي
الشهوة السلبية التي تميل إلى الخير والثانية وهي ثقة ايجابية تقدر على أن تقبل أو
ترفض ما يقدمه العقل .
احتل مفهوم
الإرادة إذن مكانة مرموقة
في فلسفة شوبنهاور إذ لم يعد حكرا على المجال الأخلاقي بل إن الإرادة ليست شيئا
أخر غير الشيء في ذاته الذي عجز كانط عن تحديده، كما تتصف الإرادة أولا بأنها
واحدة وثانيا لا تقبل الفناء وأخيرا إنها إرادة حرة.
المحور
الثاني : الشخص بوصفه قيمة
نص
إيمانويل كانط :الشخص غاية في ذاته
انجاز ذ. هشام عزيزة
يوجد الإنسان وبوجه عام كل كائن عاقل،
بوصفه غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك وفق
هواها. ففي جميع هذه الأفعال، كما في تلك التي تخص ذاته والتي تخص الكائنات
العاقلة الأخرى، يجب دائما اعتباره غاية في ذات الوقت. إن جميع موضوعات الميول ليس
لها إلا قيمة مشروطة، ذلك لأنه لو كانت الميول والحاجات المشتقة منها غير موجودة
لكان موضوعها بدون قيمة. لكن الميول ذاتها، بوصفها مصادر للحاجة، لها قدر قليل من
القيمة المطلقة التي تمنحها الحق في أن تكون مرغوبة لذاتها، وأكثر من ذلك، ينبغي
على كل كائن عاقل أن يجعل أمنيته الكلية هي التحرر التام منها.
ومن هنا فقيمة جميع الموضوعات التي
نكتسبها بفعلنا هي دائما قيمة مشروطة. فالموجودات التي يعتمد وجودها، والحق يقال،
لا على إرادتنا، بل على الطبيعة، مادامت موجودات محرومة من العقل، ليس لها مع ذلك
إلا قيمة نسبية، قيمة الوسائل، وهذا هو السبب الذي من أجله يدعوها المرء أشياء؛ بينما
الموجودات العاقلة تدعى أشخاصا، ذلك أن طبيعتها تدل على من قبل بوصفها غايات في
ذاتها، أعني شيئا لا يمكن استخدامه ببساطة كوسيلة، شيء يحد بالتالي من كل قدرة على
التصرف حسب هوانا (وهو موضوع احترامنا تلكم إذن ليست مجرد غايات ذاتية، يملك وجودها،
من حيث هو معلول لفعلنا، قيمة بالنسبة إلينا، بل هي غايات موضوعية أعني أشياء
وجودها غاية في ذاته، بل وتكون غاية بحيث لا يمكن أن نستبدل بها أية غاية أخرى.
ويلزم أن تقوم بخدمتها الغايات الموضوعية، بوصفها مجرد وسائل (...)
وعلى ذلك، فإذا كان لابد للعقل من مبدأ
عملي أسمى، كما لابد للإدارة الإنسانية من أمر مطلق، فإن هذا المبدأ يلزم أن يكون
بحيث يكون بالضرورة، عند تمثل ما هو غاية في ذاته، غاية لكل إنسان، فهو يشكل مبدأ
موضوعيا للإدارة، ويمكن بالتالي أن يكون بمثابة قانون عملي كلي. وأساس هذا المبدأ
هو التالي: إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.
إمانويل كانط،، أسس ميتافيزيقا
الأخلاق، ترجمة فيكتور دلبوس، دولاغراف،
1969، ص 148- 149.
المفاهيم الأساسية:
الأمر
المطلق: هو أمر قطعي تمت صياغته بشكل صوري مجرد، وقد وضعه كانط باعتباره المبدأ
الأخلاقي الأسمى، وصيغته كالتالي: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في
شخصك، كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس مجرد وسيلة بتاتا".
إشكال النص:
ما أساس قيمة الشخص؟ بتعبير أخر هل
تتمثل قيمة الشخص في كونه غاية في ذاته أم في أشكال التضامن والتعاون بين الناس؟
الأفكار الأساسية:
يؤكد كانط أن الشخص غاية في ذاته لا
وسيلة لتحقيق مصالح الآخرين وامتلاكه للعقل هو ما يجعل قيمته غير مشروطة.
يرى كانط أن قيمة موضوعات العالم
الخارجي ما دامت موجودات محرومة من العقل عبارة عن قيمة نسبية مشروطة تتوقف على
الغاية المتوخاة منها.
إن المبدأ الأخلاقي الأسمى يفرض علينا
دوما معاملة الشخص باعتباره غاية في ذاته.
أطروحة النص:
الشخص غاية في ذاته، فهو ليس شيئا،
ومن ثم لا يمكن معاملته باعتباره وسيلة، إن الواجب الأخلاقي يفرض علينا دوما
معاملة الإنسان بوصفه شخصا، أي غاية.
الأساليب الحجاجية:
اعتمد كانط مجموعة من الأساليب
الحجاجية للدفاع عن موقفه القائل بان قيمة الشخص قيمة ذاتية تتجلى في كونه غاية في
ذاته، نذكر منها
:
أسلوب التأكيد: '' يجب دائما اعتباره
غاية في ذات الوقت...''
أسلوب التفسير: '' قيمة جميع
الموضوعات... هي قيمة مشروطة ... وهذا هو السبب ... أعني...''
أسلوب الاستدلال: ''إذا كان...
فإن.''...
استنتاج :
يقارن كانط
يقارن بين الكائنات العاقلة والكائنات المحرومة من العقل أو الموضوعات، فالأولى -
الكائنات العاقلة - توجد كغاية في ذاتها لا وسيلة لتحقيق مصالح الآخرين، لها قيمة
غير مشروطة ولذلك تسمى أشخاص، ليس لها غايات ذاتية بل هي غايات موضوعية أي أشياء
وجودها غاية في ذاته. أما الثانية
- الكائنات المحرومة من العقل - فهي مجرد وسائل لها قيمة مشروطة أي قيمة نسبية،
قيمة الوسائل بمعنى أخر لها غاية نفعية تتحدد انطلاقا من النتائج المتوخاة منها.
نص جورج
غوسدروف : استقلالية الشخص
انجاز ذ. هشام عزيزة
إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص
الأخلاقي، كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في
وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلم، وتحقيقا للنموذج الذي ربما
ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن، لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الاستقلال
والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود، كما عاشها الناس فعليا. فالإدعاءات
الإيديولوجية حول الإنسان، لا يمكن بأية حال، أن تنكر أشكال التضامن البسيطة
والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء.
لهذا فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي
أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن
أيضا، وأولا، في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية. وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر
هنا بنظامين مختلفين، فالعلم واحد، وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي
تساهم قيمه في النمو والارتقاء.
يعتقد "الفرد" أنه إمبراطور
داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور
نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا
بالمشاركة. فيقبل الوجود النسبي، ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي. إنه ينفتح
بذاته على الكون، ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص
الأخلاقي، أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز
والتملك المنغلق، كما لو كان بإزاء كنز خفي، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل
ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح.
جورج غوسدروف، مقالة في الوجود
الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان، باريس، 1949،
ص 201-202
تعريف بصاحب النص :
جورج غوسدروف[1] (19
) فيلسوف فرنسي و تلميذ لغاستون باشلار
بالمدرسة العليا للأساتذة ، من أهم
مؤلفاته : مقالة في
الوجود الأخلاقي (1949)
، الأسطورة والميتافيزيقا (1953)
، مدخل إلى
العلوم الإنسانية (1960).
إشكال
النص
:
ما أساس قيمة
الشخص ؟ بتعبير أخر هل تتمثل قيمة الشخص في كونه غاية في ذاته أم في أشكال التضامن
والتعاون بين الناس ؟
الأفكار الأساسية:
إن ما سمح
للتنظيمات البشرية بالبقاء لا يتمثل في تجربة الاستقلال والعزلة وإنما في أشكال
التضامن الأولية ضمن مجال التعايش داخل المجموعة البشرية.
يعتبر غوسدروف
أن تحقيق الشخص الأخلاقي لا يتمثل في الوجود الفردي أو ذلك الذي يضع نفسه في تعارض
مع الآخرين وإنما في الشخص الذي يقبل بالوجود النسبي ويتخلى عن فكرة الاكتفاء بل
انه لا يتحقق إلا بالمشاركة.
أطروحة النص :
لا تتجلى
قيمة الشخص في تجربة الاستقلال والعزلة وإنما تكمن في أشكال التضامن والتعاون بين
الناس
الأساليب الحجاجية :
اعتمد غوسدروف مجموعة من الأساليب الحجاجية للدفاع عن
موقفه القائل بان قيمة الشخص لا تتجلى في تجربة الاستقلال والعزلة وإنما تكمن في
أشكال التضامن والتعاون بين الناس ، نذكر منها :
أسلوب
التأكيد: '' إن فكرة الشخص.''
أسلوب
التفسير: '' لهذا فان...
ليس فقط... ولكن أيضا.... ''
أسلوب النقد:
"لا يمكن أن تنكر أشكال التضامن... . ''
استنتاج :
لا يضع جورج
غوسدروف قيمة الشخص في مجال الوجود الفردي و بتعبير أدق لا يضع قيمة الشخص في
تجربة الاستقلال والعزلة، إذ اعتبر أن فكرة الشخص الأخلاقي '' لم تتحقق في الفكر
الإنساني إلا في وقت متأخر''، كما لا يمكن إلغاء أشكال التضامن البسيطة بين البشر
إذ لولاها لما استطاعت التنظيمات البشرية تحقيق البقاء، ليضع قيمة الشخص في مجال
التعايش داخل المجموعة البشرية قصد تحقيق الكمال الإنساني، بل إن ''الشخص الأخلاقي
لا يوجد حسب غوسدروف إلا بالمشاركة '' متخليا عن
الاستكفاء الوهمي قابلا بالوجود النسبي، أو يوجد بالأحرى '' في وجود يكتمل بقدر ما
يعطي و يمنح''.
المحور
الثالث: الشخص بين الحرية والضرورة
نص الإنسان مشروع
لجون بول سارتر
انجاز ذ. هشام عزيزة
الإنسان ليس قبل كل شيء، إلا مشروعا
يعيش بذاته ولذاته. وهذا المشروع سابق في وجوده لكل ما عداه... فالإنسان هو ما شرع
في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. لان المعنى العادي للإرادة هو كل ما كان قرارا
واعيا، وهو بذلك
لاحق بوجوده لقرار سبقه. فانا أستطيع أن أريد الانتساب لأحد الأحزاب، أو أريد
تأليف كتاب أو أريد الزواج، وكل ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أصلي أكثر
بساطة وأكثر طبيعية مما نسميه إرادة.
فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر
فالإنسان إذن مسؤول عما هو كائن. فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان
بوجه حقيقته، وأن تحمله بالتالي المسؤولية الكاملة لوجوده.
وعندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه
لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع
الناس وكل البشر. إن لكلمة "ذاتية" معنيين إن أعداءنا يسيئون استعمال هاتين المعنيين عن
قصد، إن كلمة "ذاتية" تعني من جهة أولى : انتقاء الفرد بنفسه و من جهة
أخرى تعني : استحالة تامة تواجه الإنسان إذا أراد أن يتعدى ذاتيته. وإن المعنى
الأخير هو المعنى العميق الذي تعتمده الوجودية...
عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه
نعني بالتالي أن الإنسان الذي يختار نفسه إنما يختار تبعا لذلك جميع البشر. وفي الواقع إن كل عمل يقوم به يخلق الرجل الذي
يريده ويخلق بنفس الوقت الرجل الذي نرغب في أن نكونه. فإذا اختار الإنسان أن يكون
معينا فهو بذلك يؤكد قيمة اختياره، لأنه لا نستطيع أبدا أن نحتار الشر. إن ما
نختاره لا يكون إلا الخير، ولا خير في نظرنا إذا لم يكن خيرا للجميع.
فإذا كان الوجود يسبق الجوهر، وإذا
كنا نريد أن نوجد بنفس الوقت الذي نعدل فيه من شكلنا وصورة وجوده، فان هذه الصورة
الخاصة بنا تصبح منطبقة على الجميع ومنطبقة على عصرنا بكليته. وهكذا تصبح
مسؤوليتنا أكثر بكثير مما نستطيع أن نفترضه لأنها في الواقع تجر الإنسان لان يتحمل
الإنسانية بأجمعها.
جون بول سارتر، الوجودية نزعة إنسانية،
ترجمة كمال الحاج، مكتبة الحياة،
بيروت، بدون تاريخ، ص ص.45-47.
تعريف بصاحب النص :
جون بول سارتر[1]
فيلسوف فرنسي عرف بفلسفته الوجودية، وقد بلور سارتر
في كتابه الوجودية نزعة إنسانية (الوجودية
مذهب إنساني) أن الوجود سابق عن الماهية أي أن الإنسان يوجد وبعدها يحدد ماهيته
كما يريد مما يجعل
الفعل الإنساني يتسم بالحرية، وانتشرت
أفكاره الوجودية بواسطة مجلة الأزمنة الحديثة التي أنشأها سارتر سنة 1945. من أهم مؤلفاته: الوجود والعدم (1943) ، الوجودية
نزعة إنسانية (1946) ، نقد العقل
الجدلي الجزء الأول سنة (1960) ، وصدر لسارتر
بعد وفاته الجزء الثاني من كتابه نقد العقل الجدلي سنة (1985).
إشكال النص :
كيف يتحدد الوجود الإنساني ؟ بتعبير
آخر هل الشخص ذات حرة أم كيان خاضع لاشتراطات و إكراهات خارجية ؟
الأفكار الأساسية:
يؤكد سارتر أن الإنسان ليس إلا مشروعا
يعيش بذاته ولذاته وما دام الإنسان مشروعا فهو حر في أفعاله و
سلوكاته.
يعتبر سارتر أن الوجود سابق عن
الماهية[1]
مما يعني أن الإنسان حر عن أفعاله ومسؤول عن كل ما يصدر عنه.
إذا كان الإنسان حرا في اختيار أفعاله
ومسؤولا عنها، فإن المسؤولية لا تقتصر عن وجوده الفردي وإنما تتجاوز ذلك إلى الوجود
الجماعي.
أطروحة النص:
يعتبر سارتر أن الشخص حر في أفعاله
وسلوكاته، وحريته هذه تجعله مسؤولا عن كل ما يصدر عنه.
الأساليب الحجاجية:
اعتمد سارتر مجموعة من الأساليب
الحجاجية للدفاع عن الفكرة القائلة بحرية الإنسان في اختيار أفعاله، نذكر منها:
أسلوب التعريف: '' الإنسان ليس قبل كل
شيء إلا مشروعا...''.
أسلوب المثال: '' فانا أستطيع أن أريد
الانتساب لأحد الأحزاب أو أريد تأليف كتاب أو أريد الزواج...''.
أسلوب الاستدلال: ويتجلى ذلك في ''
إذا كان ... وإذا كنا ... فان ...''.
استنتاج:
تنبني وجودية
سارتر على مقولة أن الوجود سابق عن الماهية مما يضفي طابع الحرية على السلوك
الإنساني، فالإنسان إذن حر في أفعاله
وسلوكاته إلا أن هذه الحرية مسؤولة، ولا تقتصر المسؤولية على الوجود الفردي فحسب
بل تتجاوز ذلك إلى الإنسانية جمعاء، مما يطبع مسؤولية سارتر بالازدواجية فهو مسؤول
عن وجوده الفردي أولا وعن الوجود الجماعي ثانيا '' وهكذا تصبح مسؤوليتنا أكثر
بكثير مما نستطيع أن نفترضه لأنها في الواقع تجر الإنسان لان يتحمل الإنسانية
بأجمعها ''.
نص باروخ سبينوزا : القول بالحرية يخفي جهلا
بالأسباب
انجاز ذ. هشام عزيزة
هناك حجرة مثلا من سبب خارجي يدفعها
كمية معينة من الحركة، وعندما يتوقف الفعل الناتج عن السبب الخارجي، فإن قطعة
الحجر ستواصل تحركها بالضرورة، واستمرارها في الحركة أمر مفروض من الخارج ليس من
حيث هو ضروري، بل من حيث انه راجع إلى دفعة ناتجة عن سبب خارجي، وما هو صادق
عن الحجرة يجب أن ننسبه له، ومهما تعددت استعداداته لأنه كل شيء مفرد هو بالضرورة
محروم من طرف علة خارجية على أن يوجد ويتصرف بصورة محددة.
ولنتصور ألان ـ إن أردتم ـ قطعة الحجر
وهي تواصل الحركة وتفكر وتعرف بأنها تبذل مجهودا على قدر ما تستطيع لتستمر في
حركتها، ومن المؤكد أن هذه الحجرة من حيث إن بها وعيا بمجهودها فقط، ومن حيث إنها
مهمته فهي تعتقد بأنها حرة جدا، وبأنها لا تستمر في حركتها إلا أنها تريد ذلك. تلك هي
الحرية الإنسانية التي يتبجح الكل بامتلاكها والتي تقوم فقط في واقعة أن للناس وعي
بشهواتهم ويجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا.
الطفل يعتقد انه يشتهي الحليب بحرية،
وأن الطفل المنفعل يريد أن ينتقم أو يريد الهرب إذا كان رعديدا. والسكير يعتقد انه
يقول بقرار حر من نفسه كما كان يود السكوت عنه وقد عاد إلى صحوه بعد ذلك. وكذلك
فان الهذائي والثرثار وآخرين من نفس الطينة يعتقدون أنهم يتصرفون بقرار حر من
النفس، وأنهم لا يخضعون لأي إكراه.
سبينوزا؛ الرسالة 58، إلى شولار،1957،
ترجمة محمد سبيلا، الفلسفة الحديثة، نصوص مختارة.
صص 274 ـ 275 .
إشكال النص :
هل وعي
الإنسان بأفعاله يؤكد على حرية الشخص في كل ما يصدر عنه من أفعال وقرارات مصيرية
أم أن الشخص خاضع للضرورة والحتمية ؟
الأفكار الأساسية:
يؤكد سبينوزا أن الناس يظنون أنفسهم أحرارا لمجرد كونهم
يعون أفعالهم ويجهلون الأسباب المتحكمة فيهم.
أطروحة النص :
ينتقد سبينوزا كل حرية إنسانية خارج ما هو طبيعي بل أن
يكون الشخص حرا يعني أن يمتثل للضرورة التي تفرضها عليه الطبيعة.
الأساليب الحجاجية :
اعتمد سبينوزا مجموعة من
الأساليب الحجاجية للدفاع عن الفكرة القائلة بخضوع الإنسان للضرورة ، نذكر منها :
أسلوب المثال: ويتجلى ذلك
في " هناك حجرة مثلا... الطفل يعتقد
بأنه يشتهي الحليب بحرية...".
أسلوب التفسير: ويتمثل ذلك في " تلك هي
الحرية الإنسانية … و التي تقوم
فقط في واقعة أن للناس وعي بشهواتهم و يجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا
...".
استنتاج :
يرى سبينوزا
أن جهل الإنسان بالأسباب الحقيقية المتحكمة فيه هو الذي يجعله يتوهم انه حر في
أفعاله وسلوكاته مما يعني أن الإنسان خاضع للضرورة كسائر الكائنات الأخرى التي
تخضع للحتمية الطبيعية، فالصبي مثلا في نظر سبينوزا يعتقد انه يرغب في الحليب
بحرية إلا انه في الحقيقة خاضع للضرورة البيولوجية ونفس الشيء
إذا تعلق الأمر بالسكير الذي يعتقد انه يتكلم بحرية، إن ما يجعلنا
نعتقد أننا أحرار هو فقط وعينا بأفعالنا بل يمكن
القول مع سبينوزا إن ''الناس يظنون
أنفسهم أحرارا لمجرد كونهم يعون أفعالهم ويجهلون الأسباب المتحكمة فيهم''.
كما انتقد كل
حرية إنسانية خارج ما هو طبيعي بل أن يكون الشخص حرا يعني أن يمتثل للضرورة التي
تفرضها عليه الطبيعة.