recent
أخبار

نص فردريك نيتشه : البداية الأولى لفعل التفلسف

يبدو أن الفلسفة اليونانية تبدأ بفكرة غريبة، وهي أن الماء أصل كل الأشياء. هل من الضروري حقا أن نتوقف عند هذه الفكرة، و أن نأخذها على محمل الجد؟ وذلك لثلاثة أسباب:

أولا، لأن هذه المسلمة تتناول بطريقة ما أصل الأشياء، والسبب الثاني، لأنها تتناوله بدون صور وبمعزل عن السرد الخيالي، وأخيرا، السبب الثالث، لأن هذه العبارة تتضمن ولو بشكل أولي، فكرة " أن الكل واحد ". حسب السبب الأول، ما زال طاليس ينتمي إلى طائفة المفكرين الدينيين والخرافيين، ولكنه يخرج عن هذه الطائفة للسبب الثاني، ويظهر لنا كواحد من علماء الطبيعة أما السبب الثالث فيجعل منه أول فيلسوف يوناني.

لو قال إن: " الماء يتحول إلى تراب" لكان لدينا مجرد فرضية علمية خاطئة، على الرغم من صعوبة تفنيدها، لكنه يتخطى الإطار العلمي المحض.

لا يمكننا القول أن طاليس ، من خلال عرضه لفرضية وحدة الكون القائمة على حضور الماء، تجاوز المستوى الأدنى للنظريات الفيزيائية في عصره، ولكنه خطا خطوة واحدة. إن الملاحظات المبتذلة، وغير المتماسكة والإختبارية، التي كونها طاليس حول حضور عنصر الماء وتحولاته الفيزيائية، وبالتحديد الرطوبة؛ هذه الملاحظات لم تكن لتسمح، أو حتى لتوحي بهذا التعميم الواسع. إنما دفعه إلى ذلك، مسلمة فلسفية صادرة عن حدس فلسفي، والذي نصادفه في جميع الفلسفات، التي حاولت مع مجهودات متجددة باستمرار التعبير عن هذه المسلمة، بشكل أفضل، إنه مبدأ: " الكل واحد"

فردريك نيتشه، نشأة الفلسفة في فترة المأساة الإغريقية، دار النشر غاليمار 1977. صفحات 34 – 35




google-playkhamsatmostaqltradent