recent
أخبار

نص جون بيير فيرنان: الفلسفة والأسطورة

لكي يتحدد مجال الأسطورة بالنسبة لمجالات أخرى، داخل عملية التقابل بين الميتوس واللوغوس اللذان أصبحا منفصلين ومتواجهين، وترتسم صورة الأسطورة الخاصة بالعصر الإغريقي الكلاسيكي، لكي يتم ذلك التحديد، كان لزاما توافر مجموعة من الشروط تفاعلت فيما بينها، ما بين القرن الثامن و الرابع قبل الميلاد، وأدت إلى إحداث تباعدات وقطائع وتوترات داخلية في العالم الذهني للإغريق.

إن أول عنصر يجب أخده بعين الإعتبار في هذا المستوى، هو انتقال التفكير من التقليد الشفوي إلى أنواع متعددة من الأدب المكتوب ...

يخضع النص المكتوب، كما نعرف، لقواعد متنوعة ومرنة بالمقارنة مع الخطاب الشفوي التقليدي: فهو يقترن بتحليل مكثف، وبتنظيم دقيق للمادة المفاهيمية ...

ويذهب بناء اللغة الفلسفية إلى أبعد من ذلك، سواء على مستوى عملية تجريد المفاهيم أو على مستوى استعمال عبارات أنطولوجية، ( مثلا استعمال مفهوم الوجود بما هو موجود، أو مفهوم الواحد...)، إن استلزام نوع جديد من الدقة في الاستدلال؛ إذ يقابل الفيلسوف تقنيات الإقناع في المحاجة البلاغية بطرق برهانية تتخذ من الاستنتاجات الرياضية التي تشتغل على الأعداد والأشكال الهندسية، نموذجا لها.

لقد تأسس في الأدب المكتوب نوع من الخطاب لم يعد اللوغوس فيه كلاما فحسب، بل صارت له قيمة ذات معقولية برهانية، فأصبح في هذا المستوى سواء من حيث الشكل أو المضمون، مقابلا لكلام الميتوس. فمن حيث الشكل، يقابله في التباعد بين البرهان القائم على الحجة وبين الحكي في السرد الأسطوري؛ ويقابله من حيث المضمون، في المسافة الفاصلة بين الكيانات المجردة لدى الفيلسوف وبين القوى الإلهية التي تحكي السطورة مغامراتها الدرامية.

هذا التباين الوظيفي بين الكلام الشفوي والنص المكتوب يهم بصفة مباشرة وضع الأسطورة. فعندما يتجه القول الملفوظ نحو اللذة، فإنه يؤثر في المستمع بطريقة سحرية.... بينما يشتغل اللوغوس في مستوى آخر، إنه يتوجه إلى الفكر النقدي لدى القارئ .

جون بيير فيرنان، الأسطورة والمجتمع في الإغريق القديمة، ماسبيرو، باريز، 1944، صفحات 196 – 199.






google-playkhamsatmostaqltradent