recent
أخبار

نظرة كوسمولوجية للفيزياء الكاليلية

إنجاز: ذ. هشام عزيزي


لم تحقق نظرية كوبيرنيك[1] فتوحات فكرية مثلما حققته نظرية كاليليو[2] الذي عمل على تأسيس فيزياء حديثة من خلال نقله لنظرية كوبيرنيك المتضمنة في " حول دوران الأفلاك السماوية " من مستوى الفرضية إلى حقل النظرية العلمية مما أدى إلى ولادة فيزياء جديدة إثر قيام كاليليو كاليلي بمجموعة من الأرصاد الفلكية استنادا إلى وسائل فلكية جديدة مثل "التلسكوب" أو "المقراب الفلكي" المعلن عنها في كتابه "المرسول السماوي" الذي نشر في مارس سنة 1661 بمدينة البندقية، وأسفرت هذه الأرصاد عن الدفاع عن نظرية كوبيرنيك والترويج لها وإثارة نقاش جاد حولها بل و إهـاجة بركان القلق الكنسي من خلال قلبه للمنظومة الدينية التي كانت تعتبر أن الأرض هي مركز الكون وبالتالي فالشمس تدور حولها وهذا ما لا يتوافق والفيزياء الكاليلية التي تحرك الأرض وتجعل الشمس مركزية العالم، كما نجم عن هذه الأرصاد اكتشاف أن القمر عبارة عن كوكب قريب من الأرض إضافة إلى أن سطحه أرضي.
كما لاحظ أجرام سماوية تدور حول كوكب المشتري ليتمكن فيما بعد من تأويلها على أنها أجسام مستقلة عنه، فكما أن المشتري كوكب يدور حول الشمس فله كذلك أربع توابع تدور حوله، وبالتالي عمل على وضع مقاربة بين المشتري والكواكب التي تدور حوله وبنى المنظومة الكوبيرنيكية ليعلن على أن الحركة هي العلامة التي تتصف بها كل من منظومتي كوبيرنيك و كاليليو، نخلص إذن إلى أن للأرض حركة محورية حول نفسها، ومركزية الشمس التي تتسم ببقع سوداء، شكلها لا يتغير وإنما تغير مكانها أو موقعها مما يوحي بأن الأرض تدور حول نفسها لتكون للحركة كسمة مميزة للكون الذي لا يتخلله السكون.
إذن لقد عمل كاليليو على وضع قواعد وضعية للحركة من خلال بعدي الزمان والمكان، والتي تشكل قلب الفيزياء الحديثة والتي تزامنت مع إقامته الجبرية سنة 1638 اعتمدنا في دراستها على منهج استنباطي ويقسم الحركة إلى:
الحركة المنتظمة: والتي يقطع فيها الجسم المتحرك مسافات متساوية في أزمنة متساوية وتتم بسرعة ثابتة علاوة على أنها تتشكل في خط أفقي.
الحركة المتسارعة: والتي تتم عندما يكون الجسم في حالة سكون ثم ينتقل إلى السرعة التي تزداد باستمرار حسب وحدات الزمان بصفة منتظمة وفي خط عمودي.
حركة المقذوفات: وتتألف هذه الحركة من الحركة المنتظمة والحركة المتسارعة والتي تتخذ هيئة قطع مخروطيSemi-Parabolique .
لقد عد كاليليو بحق أنه مؤسس الفيزياء الحديثة من خلال وضعه لقانون سقوط الأجسام ولبرنامج الترييض Mathématisation في كتابه  ‘’خطابات وبراهين رياضية ‘’  الذي يؤسس فيه لفيزياء رياضية والتي تمت بصفة رسمية مع كاليلي ونقله من مستوى الشعار إلى مستوى الفعل في كتابه "ميزان الذهب" سنة 1623 الذي أعلن فيه أن الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية ومن لا يفهم هذه اللغة لا يمكن أن يفهم الطبيعة، إذ اعتبر " فعلا  أن كتاب الطبيعة هو ذلك الكتاب المفتوح دوما أمام أعيننا، ولكن لا يمكن أن نفهمه إذا لم نعرف اللغة و الحروف التي كتب بها، فهو مكتوب بلغة رياضية و حروفه هي المثلثات و الدوائر وغير ذلك من الأشكال الهندسية، و التي بدونها لا يمكن أن نفهم ولو كلمة واحدة "[3]  بل لقد غدا يدرس كل موضوع طبيعي عن طريق الرياضيات في كتابه "خطابات وبراهين رياضية" سنة 1638 ، إن برنامج الترييض إذن سيكون بمثابة الحجر الذي ألقي به في بركة الفيزياء فأحدث رجات أثرت على كل من ديكارت ونيوتن فيما بعد، بل لقد عمل على قلب المنظومة الأرسطية ليصبح العلم مع كاليليو يتأسس على المنهاج والتجريب (الممارسة)، و أصبح فهم الطبيعة في المرحلة الحديثة، كشيء يتم بناؤه نظريا من طرف العالم، ولم يعد التعامل معها كشيء معطى أمرا مجديا، بل فهمها أصبح يقتضي التعامل مع المادة على أساس أنها ليست عرضية، من هنا إمكانية ترييضها، بخلاف أرسطو الذي اعتبرها عرضية، فحد هذا الرأي من زاوية نظره وجعلها محدودة، التفسير في الأزمنة الحديثة هو وصف رياضي بالأساس، بل إن الرياضيات هي العمود الفقري لكل تفسير يتغيى العلمية و الدقة و الوضوح. كما أتى برؤية جديدة للطبيعة منظورا إليها بطبيعة علمية ترى الكون من وجهة نظر مادية وتدشين لقطيعة مع النظرة التقديسية للطبيعة وإلغاء التقسيم الثنائي للعالم الذي كان سائدا مع أرسطو على اعتبار أن هناك عالم علوي سامي يتشكل من الأثير وعالم سفلي يتكون من الاسطقسات الأربع (الهواء ، الماء ، النار، التراب).
لقد درس كاليليو السرعة إذن من وجهة نظر فلكية صرفة ولم يخضع لقالب البرادايم الأرسطي[4] لتفسير الحركة التي تفسرها تفسيرا ميتافيزيقيا بل وتبحث في ماهيتها، ولما كان كاليليو يصبو إلى فهم الظواهر الطبيعية علاوة عن صياغته لقوانين جديدة دشن من خلالها قطيعة إبستيمولوجية مع الفكر الكلاسيكي الذي كان يقف عند العلل الأولى للظواهر، غير أن كاليليو قد عمل على وضع قواعد المنهج التجريبي وتأسيس فيزياء رياضية تسعى إلى تحقيق الدقة في النتائج المحصلة.
لقد كانت التفسيرات الميتافيزيقية لظاهرة سقوط الأجسام تعتبر أن الأجسام تجذب بعضها البعض أو أنها تتعاطف مع بعضها بل إنها تحن إلى أصلها (الأرض)، وهذا ما يفسر سقوطها من أعلى إلى أسفل، غير أن كاليليو قد حظر صنع التفسير الكلاسيكي معتمدا في ذلك منهجا تجريبيا يدرس الظواهر دراسة فيزيائية كما توجد في الطبيعة منتهجا في ذلك أسلوب الاختبار ودراسات العلاقات بين الظواهر من اجل صياغة القوانين لينتهي إلى التفسير بأن اختلاف سقوط الأجسام يعود إلى الاختلاف في وزن الجسم علاوة عن التأثر بدرجة مقاومة الوسط الذي تتم فيه الظاهرة ليؤكد أن الفضاء الفارغ أو الخالي من المقاومة تسقط فيه الأجسام بنفس السرعة الذي يستند صبغة تأثير الجاذبية مع نيوتن فيما بعد. لقد كانت الإرادة القابعة وراء دراسات غاليليو هي دراسة الخصائص الرياضية للحركة، فانتقل من التفسير إلى الوصف، بمعنى طرح سؤال كيف بدل سؤال لماذا، هذا التحول سيؤثر على المنهج المتبع، حيث سيقوم منهج جديد ينبني على البحث عن الخصائص الرياضية للظواهر، بغية صياغة القوانين الرياضية المتعلقة بها، فأصبحت الطبيعة تعني مجموعة من الظواهر التي تتحدد فقط بما هو رياضي، و تحكمها قوانين بالإمكان صياغتها رمزيا بشكل واضح ودقيق.
لم تسنح الظروف لكاليليو للقيام بتجارب يفسر من خلالها أن الأجسام إذا سقطت في المكان الفارغ فإنها تسقط بنفس السرعة مما جعله يقوم بتجارب ذهنية من خلال استعمال الخيال العقلي وإذا كانت هذه التجربة غير ممكنة عمليا فإنها ممكنة رياضيا، وبالفعل قام كاليليو بصياغتها رياضيا كما أكد أن اختلاف سقوط الأجسام لا يعود إلى تأثير مقاومة الوسط التجريبي وإلى اختلاف الوزن فحسب بل إلى التفاوت في المسافة التي يقطعها.
لقد عمل كاليليو بما يعرف بصنع الظاهرة وقام بتجربة "السطح المائل" الذي يقوم بالتخفيض من سرعة الأجسام.
وجد أن الجسم يستغرق عند سقوطه ثانية ثم ثانيتين ثم 3 ثواني فعمل على قياس المسافات ليستشف أن المسافة cd التي تتزامن مع قطع زمن ثانية واحدة تساوي 30 سنتمتر، وعندما تكون المسافة bd التي يستغرق فيها الجسم ثانيتين تساوي 120 سنتمتر، وأن المسافة ad التي يكون فيها زمن السقوط 3 ثواني 270 سنتيمتر، وهذا ما نفسره رياضيا.
12 x 30 = 1 x 30 = 30 = CD
22 x 30 = 4 x 30 = 120 =BD
32 x 30 = 9 x 30 = 270 = AD
وتمت صياغة قانون سقوط الأجسام على أنه يساوي المسافة مضروبة في مربع الأزمنة ويرمز له:
S = ½ gt²
نخلص إذن إلى أنه كانت هناك حاجة ماسة إلى الرياضيات لتطوير الفيزياء وهذا المشروع هو الذي عمل نيوتن على تطبيقه بعد دراسته لكل من كاليلي و كيبلر وديكارت ليساهم بخلق نظرية حساب التكامل والتفاضل والتي ليست إلا تحقيق للبرنامج الكاليلي وترجمة للقانون الأول والثاني لكيبلر.
هناك تكامل إذن بين كاليلي ونيوتن إذ نجدهما يدرسان السرعة، سواء كانت علاقتها (السرعة) بسقوط الأجسام مع كاليليو أم وصف التغير الحاصل أثناء السرعة، كما أن الكل منهما يدرسان الزمان سواء ارتبط مع كاليليو الذي يعمل على حساب سقوط الأجسام حسب مربع الأزمنة أو مع نيوتن الذي يدرس حساب التفاضل والتكامل والزيادات اللامتناهية في الزمان، كما أن حساب التفاضل والتكامل يتم عن طريق التحليل الذي ما هو إلا ترجمة لتطبيق كاليليو للرياضيات على الفيزياء، وحتى الجاذبية النيوتونية ليست إلا مقاومة الوسط التجريبي الكاليلي بل يمكن القول أن البرنامج العلمي الكاليلي قد تحقق مع اسحق نيوتن الذي فسر سقوط الأجسام الكاليلية اعتمادا على قوانين للحركة ونظرية الجاذبية.



[1]  -  Nicolas Copernic (1543-1473).
[2]  -  Galileo Galilée (1564 - 1642).
[3] - Maurice élie, Nature, in Encyclopoedia universalis, éditeur a paris (S.A), France, juin, 1996, p 37.
(384 ق.م. – 322 ق.م.).   أرسطو طاليس  Aristotélēs  - [4]
google-playkhamsatmostaqltradent