recent
أخبار

نص أرثور شوبنهاور : الهوية والإرادة


انجاز ذ. هشام عزيزي

على ماذا تتوقف هوية الشخص ؟ ليس على مادة جسمه، فإن هذه تتجدد في بضعة أعوام، وليس على صورة هذا الجسم، لأنه يتغير في مجموعة وفي أجزائه المختلفة، اللهم إلا في تعبير النظرة، ذلك أنه بفضل النظر نستطيع أن نتعرف شخصا ولو مرت سنوات عديدة.
وباختصار فإنه رغم التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان، يبقى فيه شيء لا يتغير، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل جدا أن نتعرف عليه، وأن نجده على حاله، وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا. فقد نشيخ ونهرج، ولكننا نشعر في أعماقنا أننا ما زلنا كما كنا في شبابنا، بل حتى في طفولتنا. هذا العنصر الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم أبدا، هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان. وقد يرى الناس عامة أن هوية الشخص تتوقف على هوية الشعور، فإذا كنا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار حياتنا، فإنها لا تكفي لتفسير الأخرى (أي هوية الشخص)، وليس من شك أننا نعرف عن حياتنا الماضية أكثر مما نعرف عن رواية قرأناها ذات مرة، ورغم ذلك فإن ما نعرفه عن هذه الحياة قليل. فالحوادث الرئيسية والمواقف الهامة محفورة في الذاكرة، أما الباقي، فكل حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان، وكلما هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلف وراءها أثرا. ويستطيع تقدم السن أو المرض، أو إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة، ومع ذلك فإن هوية الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمر للتذكر. إنها تتوقف على الإدارة التي تظل في هوية مع نفسها، وعلى الطبع الثابت الذي تمثله (...).

ولاشك أننا قد تعودنا تبعا لعلاقتنا بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا الحقيقية، ذاتنا العارفة التي تغفو في المساء ثم تستغرق في النوم، للتألق في الغد تألقا أقوى. ولكن هذه الذات ليست سوى وظيفة بسيطة للمخ، وليست هي ذاتنا الحقيقية. أما هذه، التي هي نواة وجودنا، فهي التي تختفي وراء الأخرى، وهي التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين : أن ترد أو ألا تريد.

أرثور شوبنهاور، العالم بوصفه إرادة وتمثلا، 943

إشكال النص :

إذا كانت الهوية هي الصفات الثابتة في الذات الإنسانية، فما الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص ؟

الأفكار الأساسية:
  1. لا تتمثل هوية الشخص حسب شوبنهاور في مادة جسم الإنسان لأنها قابلة للتجديد ولا في صورة هذا الجسم لأنها قابلة للتغيير إما كليا أو جزئيا بفعل الزمن.
  2. يضع شوبنهاور هوية الشخص في الإرادة التي تمثل نواة وجود الإنسان التي لا تحد بالزمان.
أطروحة النص :

يرى شوبنهاور أن أساس هوية الشخص يتمثل في الإرادة، إنها إرادة تظل ثابتة حتى عندما ننسى أو نتغير.

الأساليب الحجاجية :

اعتمد شوبنهاور بنية حجاجية لدعم الموقف القائل بان هوية الشخص في الإرادة ، نذكر منها :

أسلوب التأكيد و يتجلى ذلك في '' إنها تتوقف على الإرادة...''.

أسلوب ا التفسير و يتجلى ذلك في '' ليس على... وليس على... لأنه...''.

استنتاج :

يرى أرثور شوبنهاور أن الذاكرة معرضة للتلف بسبب الشيخوخة أو مرض النسيان ذلك أن '' كل حادثة نذكرها تقابلها ألاف الحوادث التي يبتلعها النسيان'' وبالتالي لا يمكن أن تكون الذاكرة هي أساس هوية الشخص لأنه '' يستطيع تقدم السن أو المرض، أو إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة '' . كما أن الشعور غير ثابت ويختلف من مرحلة زمنية لأخرى، وكذا لا تتوقف هوية الشخص على مادة جسم الإنسان لأنها قابلة للتجديد ولا في صورته لأنها تتغير بفعل الزمن، ورغم التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان ولا يمكن للهوية أن تتلاشى بفعل النسيان فان هناك عنصرا ثابتا لا يتغير وهو الذي يمثل نواة وجود الإنسان الذي لا يحد بالزمان والذي يتمثل في الإرادة لتغدو الذات الحقيقية هي تلك الذات " التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين : أن تريد أو ألا تريد".


google-playkhamsatmostaqltradent