recent
أخبار

نص جورج غوسدروف : استقلالية الشخص


انجاز ذ. هشام عزيزي

إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي، كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلم، وتحقيقا للنموذج الذي ربما ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن، لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الاستقلال والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود، كما عاشها الناس فعليا. فالإدعاءات الإيديولوجية حول الإنسان، لا يمكن بأية حال، أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء.

لهذا فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن أيضا، وأولا، في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية. وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر هنا بنظامين مختلفين، فالعلم واحد، وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في النمو والارتقاء.

يعتقد "الفرد" أنه إمبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة. فيقبل الوجود النسبي، ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي. إنه ينفتح بذاته على الكون، ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي، أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق، كما لو كان بإزاء كنز خفي، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح.

جورج غوسدروف، مقالة في الوجود الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان، باريس، 1949، ص : 201-202

إشكال النص :

ما أساس قيمة الشخص ؟ بتعبير أخر هل تتمثل قيمة الشخص في كونه غاية في ذاته أم في أشكال التضامن والتعاون بين الناس ؟

الأفكار الأساسية:

إن ما سمح للتنظيمات البشرية بالبقاء لا يتمثل في تجربة الاستقلال والعزلة وإنما في أشكال التضامن الأولية ضمن مجال التعايش داخل المجموعة البشرية.

يعتبر غوسدروف أن تحقيق الشخص الأخلاقي لا يتمثل في الوجود الفردي أو ذلك الذي يضع نفسه في تعارض مع الآخرين وإنما في الشخص الذي يقبل بالوجود النسبي ويتخلى عن فكرة الاكتفاء بل انه لا يتحقق إلا بالمشاركة.

أطروحة النص :

استقلال الشخص هو مشاركة الغير. فالشخص الأخلاقي لا يتحقق بالعزلة أو التعارض مع الآخرين، بل بفضل أشكال التضامن الأولي بين الناس.

الأساليب الحجاجية :

اعتمد غوسدروف مجموعة من الأساليب الحجاجية للدفاع عن موقفه القائل بان قيمة الشخص لا تتجلى في تجربة الاستقلال والعزلة وإنما تكمن في أشكال التضامن والتعاون بين الناس ، نذكر منها :

أسلوب التأكيد: '' إن فكرة الشخص.''

أسلوب التفسير: '' لهذا فان... ليس فقط... ولكن أيضا.... ''
أسلوب النقد: "لا يمكن أن تنكر أشكال التضامن... . ''

استنتاج :
لا يضع جورج غوسدروف قيمة الشخص في مجال الوجود الفردي و بتعبير أدق لا يضع قيمة الشخص في تجربة الاستقلال والعزلة، إذ اعتبر أن فكرة الشخص الأخلاقي '' لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر''، كما لا يمكن إلغاء أشكال التضامن البسيطة بين البشر إذ لولاها لما استطاعت التنظيمات البشرية تحقيق البقاء، ليضع قيمة الشخص في مجال التعايش داخل المجموعة البشرية قصد تحقيق الكمال الإنساني، بل إن ''الشخص الأخلاقي لا يوجد حسب غوسدروف إلا بالمشاركة'' متخليا عن الاستكفاء الوهمي قابلا بالوجود النسبي، أو يوجد بالأحرى '' في وجود يكتمل بقدر ما يعطي و يمنح''.

google-playkhamsatmostaqltradent