recent
أخبار

نص ابن خلدون: السياسة اعتدال

إنجاز: ذ. هشام عزيزي

 

اعلم أن مصلحة الرعية في السلطان ليست في ذاته من حسن شكله ام ملاحة وجهه أو عظم جثمانه أو اتساع علمه او جودة خطه او ثقوب ذهنه؛ إنما مصلحتهم فيه من حيث إضافته إليهم،  فإن الملك والسلطان من الأمور الإضافية فهي نسبة بين منتسبين. فحقيقة السلطان من له رعية والرعية من لها سلطان. والصفة التي له من حيث إضافته إليهم هي التي تسمى الملكة وهي كونه يملكهم.  فإذا كانت هذه الملكة وتوابعها بمكان من الجودة، حصل المقصود من السلطان على اتم الوجوه. فإذا كانت جميلة صالحة كان ذلك مصلحة لهم وإن كانت سيئة متعسفة كان ذلك ضررا عليهم وهلاكا لهم.

يعود حسن الملكة إلى الرفق. فإن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة، فتخلقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم وربما خذلوه في مواطن الحرب والمدافعات ففسدت الحماية بفساد النيات (...) وإذا كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، واشربوا محبته(...)

واعلم أنه قل ما تكون ملكة الرفق في من يكون يقضا شديد الذكاء من الناس، فأكثر ما يوجد الرفق في الغفل او المتغفل، وأقل ما في اليقض أنه يكلف الرعية فوق طاقتهم لنفوذ نضره فبما وراء مداركهم واطلاع على عواقب الأمور في مبادئها بالمعيته. فيهلكون لذلك

إن  الكيس والذكاء عيب في صاحب السياسة لأنه إفراط في الفكر، كما أن البلادة إفراط في الجمود.

والطرفان مذمومان من كل صفة إنسانية. والمحمود هو التوسط كما في الكرم مع التبذير والبخل، وكما في الشجاعة مع الهوج والجبن وغير ذلك من الصفات الإنسانية.

ابن خلدون

 

موقف ابن خلدون: طبيعة السلطة السياسية تقوم على الرفق والاعتدال

 

ينطلق إبن خلدون في كتاب "المقدمة" من إعتبار أن "حقيقة السلطان من له رعية والرعية من لها سلطان"، فيعتبر أن طبيعة السلطة السياسية تقوم على الرفق والاعتدال، فالملك إذا كان قاهرا لرعيته "باطشا بالعقوبات منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل"، ونتيجة لذلك فإن الرعية تلجأ إلى المكر والكذب والخديعة حتى تصبح هذه الصفات من أخلاقهم، وربما "خذلوه في مواطن الحرب"، أما إذا كانت علاقة الملك برعيته تقوم على الرفق والاعتدال، فإن الرعية تستنيم إليه وتتشرب محبته، مما يعني أن علاقة الملك برعيته يجب أن تقوم على الفضيلة، فإذا كانت الفضيلة هي توسط بين رذيلتين، فإن التوسط هو المحمود، فالكرم توسط محمود بين رذيلتي التبذير والبخل، كما أن الشجاعة توسط محمود بين رذيلتي الجبن والتهور. فالعلاقة بين السلطان والرعية يجب أن تقوم في نظر ابن خلدون على الصلاح والعدل، لذلك يجب أن تتوفر في السلطان صفات غير مذمومة، لأن في ذلك مصلحة الطرفين.

google-playkhamsatmostaqltradent