recent
أخبار

نص ألبير إنشتاين: العقلانية المبدعة

  إنجاز: ذ. هشام عزيزي

«إن كانت التجربة في بداية معرفتنا للواقع وفي نهايتها فأي دور يتبقى للعقل في العلم؟ إن نسقا كاملا من الفيزياء النظرية يتكون من مفاهيم وقوانين أساسية للربط بين تلك المفاهيم والنتائج التي تشتق منها بواسطة الاستنباط المنطقي وهذه النتائج هي التي يجب أن تتطابق معها تجاربنا الخاصة.
‏هكذا نكون قد عينا لكل من العقل والتجربة موقعه ضمن نسق الفيزياء النظرية، فالعقل يمنح النسق بنيته؛ أما معطيات التجربة وعلاقاتها المتبادلة فيجب أن تطابق بدقة نتائج النظرية.
‏وتستند قيمة مجموع النسق وتبريره على إمكانية ذلك التطابق فقط، وبالضبط، التطابق بين المفاهيم الأساسية والقوانين القاعدية، وإلا بقيت مجرد إبداعات حرة للعقل البشري دون أي مبرر قبلي سواء من طبيعة العقل البشري أو من أية طبيعة كانت.
‏وتمثل المفاهيم والقوانين الأساسية التي لا يمكن الدفع باختزالها المنطقي أكثر، الجزء الضروري في النظرية والذي لا يمكن استنباطه عقليا . ولا شك أن الهدف الأسمى لكل نظرية هو العمل على تبسيط وتقليص عدد تلك العناصر الأساسية غير القابلة للاختزال قدر الإمكان، دون أن يعني ذلك التخلي عن إمكانية تمثيل ولو معطى واحدا من التجربة تمثيلا ملائما (...)
‏إنني متيقن أن البناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تحكمها والتي تمكننا من مفتاح فهم الظواهر الطبيعية. طبعا يمكن للتجربة أن ترشدنا في اختيار المفاهيم الرياضية التي سنستعملها، إلا أنها لا يمكن أن تكون هي المنبع الذي تصدر عنه. صحيح أن التجربة تمثل معيار المنفعة الوحيد للبناءات الرياضية في للفيزياء، بيد أن المبدأ الخلاق الحقيقي يوجد في الرياضيات.
‏وبمعنى ما، إني أصادق على أن الفكر الخالص قادر على فهم الواقع، كما كان يحلم بذلك القدماء».
 
موقف ألبير إنشتاين:
يستهل إنشتاين نصه بالتساؤل عن دور العقل في بناء المعرفة العلمية، معتبرا أن "العقل يمنح النسق بنيته؛ أما معطيات التجربة وعلاقاتها المتبادلة فيجب أن تطابق بدقة نتائج النظرية"، مما يعني أن العقل في نظره هو أساس المعرفة العلمية، وقد حصر إنشتاين دور التجربة في مطابقتها للنتائج المتوصل إليها عن طريق العقل، فالتجربة في نظره يمكن "أن ترشدنا في اختيار المفاهيم الرياضية التي سنستعملها، إلا أنها لا يمكن أن تكون هي المنبع الذي تصدر عنه"، فإذا كانت التجربة قادرة على استيعاب الفيزياء الكلاسيكية، فإنها على خلاف ذلك تظل عاجزة أمام مجال الميكروفيزياء التي تتناول اللامتناهي في الصغر (الذرة على سبيل المثال)، وفي السياق نفسه اعتبر هايزنبرغ[1] أنه لا يمكن حساب سرعة دوران الإلكترون حول النواة وتحديد مكان تواجده في نفس الوقت، وكل ذلك يدل على عجز التجربة على فهم الفيزياء المعاصرة، مما يعني في نظر إنشتاين "أن الفكر الخالص قادر على فهم الواقع".

[1] - Werner Heisenberg (1901-1976).

google-playkhamsatmostaqltradent